إذا انطلقتَ في هذه المعركة؛ فيجب أنْ تعلَم أنَّ المواجهة حتميّة، هذا هو حُكم الواقع والتاريخ؛ فالطغاة لا يُسَلِّمون رقابهم لِمَن يقطعها، وعليك أنْ تأخذ حِذرك وتستعد لذلك. وكل محاولات الخروج مِن الهيمنة وتغيير الأوضاع سيجعل الشعوب حتمًا على خط المواجهة مع الخارج ومع طابورهم الخامس مِن الداخل. وعلى الثوار ألا يُخفوا هذه الحقيقة عن الشعوب، وأنْ يُخبروهم أنَّ المعركة تتطلب التضحيات، وأنَّ الأمجاد لا يصنعها إلا الأحرار؛ فنحن نخوض اليوم معركة كبيرة نَفتح فيها أبوابًا مغلقة، ولا ينبغي أبدًا أنْ تَتَرَدَّدَ في خوضها معنا، وليس ضروريًا لكي تخوضها أنْ تَعرفنا ونَعرفك، ولكن مِن الضروري أنْ تكون حرًّا مِن داخلك، وهذا الكتاب وقراءتك له ليست إلا خطوة في طريق هذه المعركة.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مباشرة، في عام 1945 تحديدًا؛ بدأت الدول المنتصرة في الحرب - وعلى رأسها (أمريكا ) - في تقسيم تركة العالم الجديد فيما بينها، وبدءوا في رسم خريطة مختلفة لنظام عالمي يُحقِّق أطماعهم في السيطرة والتوسع، ويُلبّي رغباتهم التي ولدتها نشوة الانتصار الثمين في تلك الحرب العالمية المدمِّرة، وبالفعل وضعت هذه الدول نظامًا عالميًا متوازن القوة تقريبَا بين شَرْقه (المتمثِل في الاتحاد السوفيتي والصين )، وغَرْبه (المتمثِل بالأساس في أمريكا وفرنسا وبريطانيا )، إلا أنَّ صراع المصالح بين القطبين لَم يتوقف داخل هذا النظام العالمي حتى انتهى بسقوط (برلين ) عام 1989، والذي أعقبه انهيار الاتحاد السوفيتي، وهنا بدأ العالَم حقبة مختلفة؛ حيث انفردت (أمريكا ) بقيادة العالَم انفرادًا شبه كامل.
أصبح النظام العالمي الجديد بقيادة (أمريكا ) لا يَنظر إلى بلادنا إلا باعتبارها منهبًا للثروات، وسوقًا لتصريف المنتجات، وأداة مِن أدوات سيطرته على العالَم. وأصبح يحارِب ويَمنع كل ما يُمْكن أنْ يساعد في تحرير إرادة الشعوب في المنطقة؛ فلا اكتفاء ذاتيًّا مِن القمح في بلادنا، ولا تصنيع حقيقيًّا للدواء والسلاح، ولا امتلاك لترسانة رَدْع كالسلاح النووي، كل ذلك أنت ممنوع منه تحت ذرائع مختلفة، وما ذاك إلا لتظل أسيرًا لمنظومتهم الفاسدة، وتابعًا مطيعًا لسياساتهم وتوجهاتهم المريضة، وترسًا منعدم الإرادة في ماكينة حكمهم للعالَم؛ فالحقيقة المُرَّة التي يجب ألا تَخفي على الناس هي أنَّ بلادنا ما زالت محتلَّة، وأنَّ إرادتها مسلوبة وثرواتها منهوبة، وأنَّ الاستقلال الذي تمَّ خداع الشعوب به بعد جلاء الاحتلال العسكري القديم هو استقلال صوري ووهمي؛ فنحن محتلون مِن كل الجهات، احتلالًا ثقافيًا وفكريًا وسياسيًا واقتصاديًا، بل وعسكريًا أيضًا، وبالفعل صدَقت فينا نبوءة النبي – صلى الله عليه وسلم –: "يُوشك أنْ تَداعي عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ".
إنَّ جميعنا، صغيرًا وكبيرًا، عالمًا وجاهلًا، يَعلم أنَّ ما نشاهده في التلفاز ونسمعه مِن خطابات سياسية وأخبار محلية وعالمية، ليست إلا الصورة الأخيرة التي أرادوها أنْ تَصِل إلينا؛ فالجميع يفهم أنَّ اللعبة لها قواعد مختلفة، وأنَّ العالَم في النهاية تتحكم فيه مراكز القوى، وأنَّ ما يَظهر فوق الطاولة يناقض ما يدور تحتها، ولقد فَهمَتْ الشعوب هذا إلى حد جعلها لا تهتم بالسياسة أصلًا، ولا تَشغل بالها بما يتم. لقد يئستْ مِن التغيير في ظِل استمرار النظام العالمي كما هو.
لقد صار للمنظمات المُسمَّاة "دولية " - كالأمم المتحدة ووكالة الطاقة وغيرها - قيمة سياسية، باعتبار أنها منظمات عالمية ودولية يشترك فيها العالَم كله، وأنَّ قراراتها وقوانينها عادلة مُنصفة واجبة النفاذ، بالرغم من أنَّ الحقيقة هي أنها منظمات استعمارية تستكمل الديكور النهائي، وتُعطِي الغطاء السياسي لمنظومة الاحتلال الدولي، وتؤسّس لكل عناصر الهيمنة على بلادنا؛ فَلِكل منظّمة منها دور محدد في تقييد الشعوب وإلزامهم بالمسار الذي يخدم مصالح الدول الكبرى، وإنَّ ما يُسمَّي كذلك بـِ (القوانين الدوليّة ) لَم تُوضع إلا لتقييد الدول المستضعفَة ولخدمة مصالح النظام العالمي؛ فالدول الكبرى، وعلى رأسها شيطان العصر (أمريكا ) ، مُستثناة مِن كل قانون، وهذه المنظمات أصلًا لا تُصْدر أي قرار يُخالف مصالح (أمريكا ) إلا نادرًا؛ مِن باب حفظ ماء الوجه، وللإبقاء على شرعيتها الدولية في قلوب الحمقى والمغفلين.
ولو نظرنا إلى النظام النقدي لهذه المنظومة؛ فسنجد أنَّ الشعوب تتعامل مع المنظومة النقدية الدولية وكأنها أُنزلت مِن السماء. إننا لا نفكر مجرد تفكير هل هذه الأوضاع طبيعية؟! ما الذي يَجعل لهذه الورقة الخضراء المُسمَّاة (الدولار ) هذه القيمة المُقدَّسة؟ ولقد ظلَّت الكذبة العالمية تقنع الشعوب أنَّ النظام النقدي العالمي هو نظام معقَّد ويصعب فهمه وتحليله، والحقيقة أنَّ نظام النقد العالمي يَسهل فهمه جيدًا لكل الشعوب على اختلاف ثقافتهم، لكن هناك مَن لا يريد لهم أنْ يفهموا؛ وذلك لأنَّ إدراك الشعوب لحقيقة النظام النقدي العالمي كفيل بهدم شرعية هذا النظام تمامًا مِن قلوبهم، وهو ما يؤذن بانتهاء أسطورته في القريب العاجل؛ فالهيمنة الاقتصادية اليوم هي أصْل مِن أصول الهيمنة، وروحها تَكْمن في سياسات الرأسمالية التي تَدعم السوق الحر بلا ضابط ولا رقيب، وتَدفع نحو فَتْح التجارة الدولية على مصراعيها عبر اتفاقات تُزِيل تمامًا الحواجز الجمركية؛ مما يَعني إغراق السوق الدولي والمحلي بالمنتجات الغربية، وبأسعار لا تستطيع الدول الصغيرة منافستها؛ وبالتالي تَحتكر الدول الإمبريالية السوق، وتُصْبح شعوب الدول الأخرى مجرد كائنات استهلاكية. وما تحويل الشعوب إلى هذه الصورة مِن الكائنات الاستهلاكية، إلا نتاج خطة مدروسة ومؤامرة طويلة، عَبَث فيها هذا النظام العالمي بِقِيَم الناس الداخلية، مع إعادة ترتيب الأولويات عندهم؛ حتى صارت المادة هي المحرك الأول لكل فرد، والقيمة التي لأجلها يحيا الإنسان.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان